السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
سقطت من عيناها الدمعة تلو الأخرى أغار منها ..
فماذا أصنع ؟؟
نعم أغار منها !!
هكذا ابتدأت محدثتي كلامها عن التي تغار منها ؟!!..
فمن هي ياترى هي تلك التي تغار منها ؟؟
قد يتبادر للكثيرات منكن .. أن غيرتها .. من ضرة تزوجها
زوجها عليها !!
أو من فتاة في سنّها .. تمتلك مالا تمتلكه هي من الثياب .. والزينة ؟؟
حسناً .. لا انكر ان هذا هو تصوري حين ابتدأ كلامها
فدار في ذهني حديثاً .. بأن هذا هو حال النساء !!
لكن انتظرت حتى نكمل حديثها .. فهي التي ابتدرت الحديث .. فلم أشاء ان أقاطعها !
ثم .. أكمل ما ابتدأت به حديثها :-
كلما سمعت أن رجلاً يفعل المستحيل لأجل أن يرتبط بها ..
وحتى أنه يقدم لأجلها حياته ..لا أحتمل فتبدأ نار الغيرة تزداد و تتأجج في قلبي ..
لماذا لا يكون لي حظاً ونصيباً مثلها .. وأكون أمل وأمنية وحلم مثلها .. )
تهدج صوتها .. ثم أكملت .. (كل فتاة تحب ذلك وتريده وتتمناه
فنحن بنات حواء .. نفرح أن نكون مطمح لكل شاب ..
ونسعد أن يبذل لأجل أن يكسب ودنا الكثير وننتشي طرباً حين يتغنى بذكرنا
كلما سمعت عنها .. كلما قرأت ما يكتب عنها أبكي ... نعم أبكي .. )
ثم سكتت لفترة .. احترمت صمتها ..
مرت اللحظات .. ففكرت أن اسئلها بدافع الفضول .. ياترى من تكون هذه ؟
ابتدرتني قائلة .. ( لعله يدور في خلدك الآن .. من تكون هذه التي
أتحدث عنها ..
حسناً .. سأخبرك
ومن ثمّ اخبرني هل أنا على حق حين تتساقط دمعاتي غيرة منها أم لا ؟
من أتحدث عنها .. أنت تعرفها .. نعم تعرفها ..
تحدث القرآن عن جمالها والله - سبحانه
وتعالى - شهد لها بذلك و حسبنا تلك الشهادة
لنعرف أنها بلغت غاية الحسن والجمال
وذلك حين قال عزّ من قال : [( وحور عين ، كأمثال اللؤلؤ المكنون)]
أخبرني بربك ..أي شهادة أعظم من ذلك ؟؟
وأي وصف أبدع من ذلك؟؟
ومِنْ مَنْ .. ؟؟
من رب السماوات والأرض .. فأي شهادة اعظم من تلك الشهادة .. وأي شهادة بعدها ؟؟؟
الله شهد لهن بالحسن والجمال والكمال ؟!
ألا تستحق أن
أغار منها ؟؟
و رسول الله وخير البشر يخبر عنها بقوله ولو أن امرأة من أهل الجنة اطلعت إلى أهل الأرض
لأضاءت ما بينهما ولملأته ريحا ، ولنصيفها على رأسها خير من الدنيا وما
فيها)
فأي وصف أبلغ من ذلك ؟؟
ولأجلها الرجال يتراكضون في ساحات المنايا .. يخطبون ودّها .. ويطلبون القرب منها !!
ويتسابقون في تقديم المهور لها .. بأي شكل من الأشكال ؟؟ .. ... )
ثم سكتت
..
وابتدأت تبكي بصمت ..
في تلك اللحظة .. كنت أحدث نفسي
عجيبة هذه الفتاة ؟؟
كيف لها أن تفكر بهذه الطريقة ؟
كيف يصل تفكيرها لمثل هذا الأمر ؟
لم أكن أتصور أنه يوجد فتاة في سنها ..
تملك مثل هذه الغيرة
وخصوصاً .. انه لم يكن ينقصها شئ من ملذات الدنيا ولا نعيمها
كل ماتريده ملبى ..
وكل ماتتمناه محقق لها ..
ولو طلبت الغالي من الأثمان .. لوجدته أمامها
وهي
المدللة .. والتي ترفل في صور نعيم الدنيا !!!
قطع علي تفكيري ..
صوتها المتهدج .. وهي تتسائل ..
( كيف أصبح مثلها ؟؟
أخبرني بالله عليك !!
أقظ مضجعي هذا التفكير كثيراً ..
والتساؤلات
تعذبني .. والغيرة تقتلني ..)
اعتلت وجهي ابتسامة اعجاباً وتقديراً لها..
فحديثها .. وتفكيرها .. أفرحني ..
وغيرتها .. أسعدتني ..
وأكبرت فيها هذه الهمّة ..
فقد سمت بأمنيتها .. وعلت
بهدفها وطموحها
( هل تضحك ساخراً مني؟؟
وهل ما أقوله تستحق منك تلك الابتسامة الساخرة ؟؟)
هكذا فاجأتني ..
لربما قرأت في تلك الابتسامة .. مالاتعكس حقيقتها
بادرتها ..
( ابداً
ابداً .. صدقيني لم يكن ماقصدتيه..
حسنا يا اختي ..
لك مني بشارة ..
تلك التي تغارين منها .. انت تكونين في مكانة أفضل من مكانتها ؟؟ )
( هل تهزأ بي ..
ابتدأتها بابتسامة وتلوتها بهذا
الكلام ؟؟
هل تراني مازحة في كلامي ؟؟ )
يالهذه الابتسامة ؟!
حاولت التخلص منها .. لكنها لا زالت عالقة
( صدقيني لم اهزأ بك .. ولكن هذه هي الحقيقة ..
من تغارين منها .. أنت ستكونين في
مقام أعلى منها .. لا وبل تكون خادمة لك انت ؟ )
وبتردد سألت ..
( كيف ذلك .. وكيف تكون خادمة لي ؟ )
بهدوء ابتدات حديثي
( حسناً .. لاتقاطعيني .. واستمعي إلي جيداً ..
أسدل الليل ستاره .. وهجع
الناس إلى فرشهم .. وغطوا في نومهم
إلا هم .. فقد جاء نديمهم .. وقدم حبيبهم .. جاء الليل يحمل في جوانحة الخير العظيم
فهفت قلوبهم .. للقاءه .. وطارت أرواحهم .. لقضاءة بالصلاوات ..
والدعوات
في تلك الليلة وفي أحد الحجرات المطهرة ..
كان يقف بين يدي ربه .. يناجيه .. ويسأله .. ويطلبه ..
كان يرجو رحمته .. ويطلب عفوه وغفرانه ..
يطلب صفحة .. ويسأله الجنة ..
هذا هو حاله ..
رغم أن غفر له ماتقدم من ذنبة وما تأخر ..
هذا هو خير البشر شفيعي وحبيبي.. محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم..
كان قائماً .. يصلي .. ويتلو آيات من القرآن ..
(.... لَّا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ 33 وَفُرُشٍ مَّرْفُوعَةٍ 34
إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاء 35 فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا 36
عُرُبًا أَتْرَابًا .. )
سكت برهة .. ثم عاد يقرأ .. (عُرُبًا
أَتْرَابًا) .. ويقول ( اللهم اني اسألك من فضلك ) ويكررها عدة مرات ..
كانت هناك آذان تصغي لتلاوته .. وما ان سمعت ذلك الترداد .. حتى بدأت الغيرة تدب في قلبها
كانت ذاك قلب امرأة من
أطهر النساء .. انها أمنا .. أم المؤمنين ( أم سلمة ) رضي الله عنها ..
فكيف لا وزوجها .. يسأل الله أن يرزقه ممن قال فيهن ( عربا أتراباً ) ..
عزمت في نفسها .. بعد أن ينتهي من صلاته أن تسأله عن
من يكنّ هؤلاء ؟
وانتظرت .. ريثما انقضت صلاته ..
كانت لاتريد أن تبين تلك الغيرة التي اشتعلت في قلبها ..
فأردات أن تسأله .. ولكن بطريقة غير مباشرة .. حتى لا يحس بما يختلج في نفسها ..
لندع الحديث لأم سلمة رضي عنها فتخبرنا عن الحديث الذي دار بينها وبين رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
تقول أم سلمة رضي الله عنها .. وعن أمهات المؤمنين :
[ سألت رسول الله صلى
الله عليه وسلم
أخبرني عن قول الله تعالى حور عين)
قال: "حور" : بيض ، "عين": ضخام العيون
قلت : أخبرني عن قوله تعالى: (كأمثال اللؤلؤ المكنون)
قال: "صفاء الدر الذي في الأصداف الذي لم
تمسه الأيدي"
قلت : أخبرني عن قوله: (فيهن خيرات حسان)
قال : "خيرات الأخلاق حسان الوجوه" .
قلت : أخبرني عن قوله كأنهن بيض مكنون)
قال : "رقتهن كرقة الجلد الذي رأيت في داخل البيضة مما
يلي القشر وهو الغرقي"
قلت : يا رسول الله أخبرني عن قوله( عربا أترابا)
( الآن وصلت أم سلمة لما تريد أن تسأله عنه منذ البداية ..
الآن تسأله عن من دبت الغيرة في قلبها بسببهنّ )
وقال: "هن اللواتي قبضنا في الدار الدنيا عجائز رمصاً شمطاً خلقهن الله بعد الكبر ، فجعلهن عذارى
عربا متعشقات محببات أتراباً على ميلاد واحد "
قلت : يا رسول الله وبما ذلك؟
(
استمعي يارعاك الله .. وارعي سمعك لما سيقول بأبي هو وأمي ..
استمعي لتلك البشارة .. التي بشرتك بها في أول حديثي ..
استمعي وأصغي إلي بقلبك .. قبل سمعك .. )
قال : "بصلاتهن وصيامهن
وعبادتهن الله عز وجل ، ألبس الله وجوههن النور ،
و أجسادهن الحرير، بيض الألوان ، خضر الثياب صفر الحلي ، مجامرهن الدر ،
و أمشاطهن الذهب ، يقلن نحن الخالدات لا نموت أبداً
ونحن الناعمات فلا نبأس
أبداً ، ونحن المقيمات فلا نظعن أبداً ، ألا ونحن الراضيات فلا نسخط أبداً ،
طوبى لمن كنا له وكان لنا "]
هل سمعت بماذا يتغنين ؟؟
وماذا يقلن ؟؟ .. )
لم
أكد انتهي من حديثي حتى رأيتها تتجه نحو القبلة .. فتسجد سجوداً أطالته .. شكراً لله
حين رفعت رأسها .. كانت الدمعات تملأ عينيها ..
ويعلو وجهها نور مشرق .. وفرحة بانت على محياها ..
وأخذت تردد اللهم اني اسألك من فضلك .. اللهم اني أسألك من فضلك
اكملت حديثي إليها ..
(بل و إن نساء الدنيا يكن في الجنة أجمل من الحور العين بأضعاف كثيرة
نظراً لعبادتهن الله
فهذه الجنة قد تزينت لكنّ ..
فلا تضعي الفرصة فأن العمر عما قليل يرتحل ولا يبقى بعده إلا الخلود الدائم
فليكن خلودك في الجنة إن شاء الله .. واعلمي أن الجنة مهرها الإيمان
والعمل الصالح
وليس الأماني الباطلة مع التفريط ... )
ثم نظرت إليها ..
( هل تعلمين .. أنها تغار منك ؟ )
لم أمنع نفسي من الابتسامة التي رسمتها .. وباتساع أكبر مما سبقتها
حين رأيت
علامات الدهشة والعجب على محياها !!
( نعم انها تغار منك .. هل تعلمين لماذا ؟
انها تغار منك إن أنت صبرت و أطعت الله في هذا الزمن
زمن تخلفت فيها الكثير من الفتيات