السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
مقدمــة
الحمد لله أن خلق من الماء بشرًا، فجعله نسبًا وصهرًا. وعظَّم أمر الأنساب، وجعل لها قدرًا، فحرم بسببها السفاح، وبالغ في تقبيحه ردعًا وزجرًا، وجعل اقتحامه جريمة فاحشة، وأمرًا إمرًا، وندب إلى النكاح وحث عليه استحبابًا ووأمرًا.
فسبحان من كتب الموت على عباده فأذلهم به هدمًا وكسرًا، ثم بث بذور النطف في أراضي الأرحام وأنشأ منها خَلْقًا، وجعله لكسر الموت جبرًا، تنبيهًا على أن بحار المقادير فياضة على العالمين نفعًا وضرًا، وخيرًا وشرًا، وعسرًا ويسرًا، وطيًا ونشرًا.
والصلاة والسلام على محمد المبعوث بالإنذار والبشرى، وعلى آله وأصحابه، صلاةً لا يستطيع لهاىالحساب عدًا ولا حصرًا، وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد:
فإن
النكاح معينٌ على الدين، ومهينٌ للشياطين، وحصنٌ دون عدو الله حصين، وسببٌ
للتكثير الذي به مباهاة سيد المرسلين لسائر النبيين، فما أحراه بأن تُتحرى
أسبابه، وتُحفظ سننه وآدابه، وتُشرح مقاصده وآرابه، وتُفصل فصوله وأبوابه،
والتي من أهمها الحديث عن الصفات الحقيقية للزوجة المسلمة.
ومما لا ريب فيه أن المرأة هي عماد الأسرة ومحورها الذي تدور في فلكه، وإليها يرجع
نجاح الأسرة وتماسكها، وعليها تقع مسئولية انهيارها وتفككها، فهي الرائد والقدوة، وهي التي تربي الأبناء وتوجههم وتلازمهم فترة طويلة، ومما لا شك فيه أن الأبناء يتعلمون من القدوة أضعاف ما يتعلمون بالتلقين والإلقاء، ةلذا كان لابد من رسمٍ حقيقي واقعي لصورة الزوجة المسلمة بلا إفراط أو تفريط.
وقد كتب أحدهم عن أوصاف الزوجة المثالية فقال:
"هي الناظرة في عيبها، المفكرة في دينها، المقبلة على ربها، الخفي صوتها، الكثير صمتها، اللينة الجناح، العفيفة اللسان، الظاهرة الحياء، الورعة عن الخنا( )، الواسعة الصدر، العظيمة الصبر، القليلة المكر، الكثيرة الشكر، النقية الجيب( )، الطاهرة من العيب، الحبيبة، الكريمة، الرضية، الزكية، الرزينة، النجيبة، السهلة الخُلُق، الرقيقة، البريئة من الكذب، النقية من العُجب، التاركة للقذى، الزاهدة في الدنيا، الساكنة، الستيرة، لا متفاكهة، ولا متهتكة، قليلة الحيل، وثيقة العمل، رحيمة القلب، خليصة الوَد، إن زُجرت انزجرت، وإن أُمرت ائتمرت، تشنأ الصلف( )، وتبغض السرف، وتكره المكروه، وتمقت الفخر، وتتفقد نفسها بطيب النساء والكحل والماء، قنوعة بالكفاف، ومستترة بالعفاف، لها رحمة بالأهل، ورفق بالبعل، تضع له خدها، وتخلص له ودها، وتملكه نفسها، ولا تملأ منه طرفها، وتترك لأمره أمرها، وتخرج لآرائه عن رأيها، وتوكله عن نفسها، وتأمنه على سرها، وتصفيه غاية الحب، وتؤثره على الأم والأب، لا تلفظ بعيبه، ولا تخبر بسره، تحسن أمره، وتتبع سروره، ولا تجفوه في عسر ولا فقر، بل تزيده في الفقر ودًا وعلى الافتقار حبًا، تَلْقى غضبه بحلم وصبر، تترضاه في غضبه، وتتوقاه في سخطه، وتستوحش لغيبته، وتستأنس لرؤيته، قد فهمت عن الله ذكره وعلمه، فقامت فيهبحق فضله، فعظم بذلك فاقتها إليه، ولم يجعل لها مُعولاً إلا عليه، فهو لهاسمع ولُب، وهي له بصر وقلب".
وعندما أتحدث في هذا الكتاب عن الصفات الحقيقية للزوجة الصالحة، فإني أنبه إلى عدة نقاط:
أولاً:ليس معنى أن أي امرأة ليس فيها كل هذه الشروط العشرين مجتمعة، أنها ليست بصالحة، وإنما أعني بكل هذه الشروط صفة الكمال للزوجة الصالحة ـ وهي في قدر استطاعتها إن شاء الله ـ فلابد أن تتوافر فيها هذه الشروط كلها ما وسعها ذلك ولو أنها تضرب بسهم في كل صفة، إلا الصفات الواجبة كطاعة الزوج في غير معصية، فإنها من الصفات التي لا يسع المسلمة تركها، أو التقصير فيها.
ثانيًا: لا يحتج أحدٌ بعدم وجود مثل هذه الزوجة الصالحة بكلهذه الصفات؛ لأنها من وجهة نظره صفات مستحيلة أو صعبة، وإنما موجودة بنسب، وكلٌ على قدر اجتهاده وعطائه.
ثالثًا: وحتى لا يحتج الزوج على زوجته كل وقت، بأن يقول لها عليك كذا، ويجب عليك كذا، وأين أنت من الصفة كذا، فقد آثرت أن أكتب في النهاية صفات الزوج الصالح، حتى لا تبقى المرأة وحدها في الميدان، لا تجد من يدافع عنها، أو يأخذ بيدها إلى طريق الأمان والهدى والصلاح، وحتى تكون الصورة متكاملة، والحقوق متساوية إلى أن ييسر الله عز وجل كتابته إن شاء.
وقد قسمت الكتاب إلى أربعة أبواب:
الباب الأول: تحدثت فيه عن صفات الزوجة الصالحة، بكتابة متن في أعلى الصفحة ثم قمت بشرحه تحته. وقد اجتهدت في جمع عشرين صفة معتمدًا في ذلك ـ بعد الله تعالى ـ على الآيات والأحاديث الصحيحة، ثم أقوال أهل العلم من السلف والخلف، ولم أنس أن يكون الأسلوب سهلاً في متناول كل من يقرأه، وأن يلمس واقع الناس، مع ذكر الأمثلة ما وسعني ذلك.
الباب الثاني: خصصته للحديث عن قضية تعدد الزوجات، والتي أصبحت من القضايا غير المستساغة في كثير من المجتمعات المسلمة للأسف؛ لذا ذكرت حكمة مشروعية التعدد في الإسلام والأدلة على ذلك، ثم ذكرت أشهر الشبهات المثارة حول هذه القضية
والرد عليها، ثم ختمت الحديث عنها بذكر مسائل فقهية هامة متعلقة بالتعدد، وتساءلت في النهاية: من للأرامل والمطلقات بعد الله تعالى؟
ونبهتعلى أن التعدد ليس فيه منقصة وعيب، واجتهدت في جمع أقوال أهل العلم حول هذه القضية، حتى يكون الكلام منضبطًا من الناحية العلمية، وحتى لا تقرأ المرأة هذا الباب فتقول: ومن الذي كتب ذلك؟ إنما هو رجل!!
الباب الثالث: ذكرت فيه صفات الزوج الصالح تحت عنوان: "هذا هو زوجي" على غرار ما كتبت للرجال "هذه هي زوجتي".
الباب الرابع: ذكرت فيه أهم مشاكل المرأة مع زوجها في صورة فتاوى لبعض أهل العلم، أو إجابات لي لمشاكل الأخوات في المسجد، حتى تتضح الصورة الصحيحة، والأسلوب المتزن للمرأة في علاجها لمشاكلها مع زوجها، فتكتمل بذلك الصورة
الحقيقية للزوجة الصالحة، وحتى تسير على الضوابط الشرعية في حَلّ ما يَعِنُّ لها من مشاكل وصعوبات داخل البيت.
والله أسأل أن أكون بذلك، قد قدمت جهدًا ولو متواضعًا لنساء المسلمين؛ يسرن عليه ويأخذن به، إن هن اتقين الله تعالى، وتطلعت أنفسهن إلى جوار الله تعالى في الجنة.
تفكرتُ في حشري ويوم قيامتي ... وإصباح خَدّي في المقابر ثاويَا
فريدًا وحيدًا بعد عِزٍ ومِنْعَةٍ ... رهينًا بجُرمي والتراب وَسادِيَا
تفكرت في طول الحساب وعرْضه ... وذُلِّ مقامي حين أُعطى كتابيا
ولكن رجائي فيك ربي وخالقي ... بأنك تعفو يا إلهي خطائِيا
والمسئول هو الله ـ عز وجل ـ أن يتقبل منا أعمالنا على ما فيها من نقص وعيب، وأن يتفضل علينا بأعظم الأجر والثواب، وأن ينفع به النفع العميم، في الدنيا ,ويوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
وصلى الله وسلم وبارك على محمد النبي وعلى آله وصحبه وسلم
أبو أحمد/ عصام بن محمد الشريف
رابط التحميل
http://akhawat.islamway.com/forum/index.php?act=Attach&type=post&id=54037